أخبار مصر

المجتمع المتسلفن: بين الاتهام بالالتزام ومحاولة تشويه صورة التدين

شهدت الساحة الإعلامية في الآونة الأخيرة جدلاً واسعًا بعد تصريحات الفنانة إلهام شاهين التي تحدثت عن أن “المجتمع بقى متسلفن”. هذه العبارة أثارت موجة من النقاشات، حيث انقسمت الآراء بين من اعتبرها توصيفًا دقيقًا للواقع، وبين من رآها محاولة لتشويه صورة التدين وربطها بالسلفية أو بالإخوان المسلمين.

في هذا المقال، سنناقش مفهوم المجتمع المتسلفن، ونكشف السياق الذي قيلت فيه العبارة، ونوضح كيف تحولت بعض المظاهر الدينية البسيطة مثل الصلاة أو الحجاب إلى مادة للهجوم الإعلامي.


ما معنى عبارة “المجتمع المتسلفن”؟

العبارة لم يقصد بها – كما يعتقد البعض – أن المجتمع كله أصبح سلفيًا بالمعنى التنظيمي أو الفكري، وإنما جاءت كنوع من التوصيف لانتشار الالتزام الديني بين الناس.

إلهام شاهين أوضحت أن المقصود لم يكن اللحية أو النقاب، بل ممارسات بسيطة مثل حرص الناس على الصلاة أو التمسك بالحجاب. لكن اللافت أن هذه المظاهر قُدمت بلهجة استنكار، وكأنها سلوكيات غريبة على المجتمع، مع أنها جزء أصيل من تعاليم الإسلام.


الالتزام الديني ليس سلفية ولا إخوانية

أحد أهم الأخطاء الشائعة هو ربط أي مظهر من مظاهر التدين بالسلفية أو جماعة الإخوان المسلمين. فالحجاب فريضة شرعية قبل ظهور هذه الجماعات، والصلاة ركن أساسي من أركان الإسلام منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.

من غير المنطقي أن تُحوَّل كل قيمة دينية إلى “فزاعة سياسية” يتم استخدامها للتخويف أو التشويه. إن وصف المجتمع بـ”المتسلفن” لمجرد أن بعض الناس يصلون في وقتهم أو يتمسكون بالعبادات، يعكس مشكلة حقيقية في الخطاب الإعلامي الذي يسعى إلى ربط الدين بالتشدد.


موقف الفنانين من التدين

الكثير من الفنانين تأثروا بالفعل بالجو العام، فبعضهم أصبح أكثر قربًا من الالتزام، والبعض الآخر يحاول مجاملة جمهوره عبر إظهار احترامه للدين. لكن هناك أصوات فنية ترى أن أي تقارب مع الدين تهديد للإبداع أو للحياة الفنية.

القضية الحقيقية ليست في التدين ذاته، بل في النظر إليه كتهديد. فحين يعتبر البعض أن الصلاة في وقتها أو توقف تصوير فيلم لأداء الفريضة “كارثة”، فهذا يكشف عن خلل في ترتيب الأولويات، وعن خوف مفتعل من أي مظهر ديني.


لماذا الهجوم على الصلاة والحجاب؟

الهجوم المتكرر على الحجاب أو الصلاة يعكس رغبة لدى بعض الأطراف في ربط هذه المظاهر بجماعات متطرفة. الإعلام أحيانًا يوظف كلمات مثل “إخوانية” أو “سلفية” لتخويف الجمهور من أي التزام ديني، في حين أن غالبية الممارسات لا علاقة لها بالسياسة.

الحجاب والصلاة عبادات ثابتة في الإسلام، ولا يمكن إلغاؤها أو اعتبارها علامات تطرف. بل إن ربطها بالتشدد يعد إساءة متعمدة تهدف إلى إبعاد الناس عن الدين وإظهار المتدين في صورة “الغريب أو المتطرف”.


أمثلة عملية: المخرج الذي توقف عن التصوير للصلاة

من أبرز النماذج التي أثيرت، قصة أحد المخرجين الذي كان يعمل بشكل طبيعي، ثم أصبح حريصًا على الصلاة في وقتها. إلهام شاهين وصفت الأمر بأنه “تدين غريب”، وكأن أداء الفريضة سلوك غير مألوف.

لكن لو نظرنا بموضوعية، هل في توقف الكاميرا لخمس دقائق لأداء الصلاة أي ضرر؟ هل سيتوقف العالم لو صلّى شخص في وقتها؟ بالطبع لا. بل على العكس، هذه السلوكيات تعكس وعيًا وإصرارًا على أن العمل يجب أن يُضبط وفق تعاليم الدين، لا أن يُجعل الدين تابعًا لظروف العمل.


التدين ليس عائقًا للعمل

هناك من يروج لفكرة أن التدين يتعارض مع العمل والإنتاج، لكن الحقيقة أن الالتزام الديني لا يمنع الإبداع ولا يعطل النجاح. بل إن الإسلام يحث على العمل والإتقان مع المحافظة على العبادات. المشكلة تكمن في العقلية التي ترى في الصلاة “خطرًا” على تصوير فيلم، بينما لا ترى مشكلة في مشاهد تتضمن مخالفات دينية أو أخلاقية.


الإعلام وتضخيم فكرة “المجتمع المتسلفن”

منظمات وجمعيات تحمل عناوين مثل “العلمانيون بلا حدود” وغيرها، تُعطى لها المساحات الإعلامية لتسويق أفكار مشوهة عن الدين. يتم تضخيم فكرة أن المجتمع أصبح “متسلفن” من أجل إثارة الذعر والتهويل. هذه الاستراتيجية تهدف إلى ضرب القيم الدينية في عمقها، عبر ربطها بالإرهاب أو التشدد، بينما هي في حقيقتها سلوكيات طبيعية لأي مسلم ملتزم.


هل المجتمع فعلاً متسلفن؟

التدين في مصر
التدين في مصر

الإجابة ببساطة: لا. المجتمع لم يتحول إلى سلفية أو إخوانية، لكنه أصبح أكثر وعيًا بالدين وأهمية العبادات. زيادة أعداد المصلين أو المحجبات لا يعني أن المجتمع فقد توازنه أو دخل في حالة من “التسلفن”، بل يعني عودة الناس إلى أصولهم الطبيعية.


الخلط بين الدين والسياسة

أحد أسباب هذا الجدل هو الخلط الدائم بين الدين والسياسة. البعض يريد أن يحوّل التدين الفردي إلى انتماء سياسي، وهذا خطأ كبير. التدين الشخصي ليس بالضرورة انتماءً لحزب أو جماعة، بل هو ممارسة طبيعية لأي مسلم.

الإسلام أكبر من أن يُختزل في جماعة أو اتجاه فكري معين، وأي محاولة لتسييس الدين أو ربطه بالإرهاب هي محاولة لتشويه صورته.


خطورة تصوير الالتزام على أنه تطرف

حين يتربى جيل كامل على أن الصلاة في وقتها أو ارتداء الحجاب يعني “تشدد” أو “سلفنة”، فإن ذلك يقود إلى فقدان الهوية الدينية تدريجيًا. الأخطر أن تصبح القيم الدينية محل استهزاء أو اتهام. هذا التشويه يفتح الباب أمام حملات منظمة تسعى لإضعاف التدين في المجتمع، ما يهدد الثوابت ويجعل الناس أكثر تقبلًا للأفكار العلمانية أو الإلحادية.


كيف يجب أن نتعامل مع القضية؟

المطلوب ليس الانجرار وراء الخطابات الإعلامية، بل التمسك بالقيم الدينية مع توضيح أن الالتزام لا يعني التطرف. علينا أن نغرس في الأجيال الجديدة أن الصلاة والحجاب والعبادات ليست خيارات هامشية، بل هي أركان أساسية من الهوية الإسلامية. بشكل عام هجوم البعض على الحجاب يكون له ردة فعل غاضبة من الغالبية العظمى من المصريين ويحتل أهمية كبيرة في أخبار مصر.


المجتمع المتسلفن: خاتمة

تصريحات مثل “المجتمع المتسلفن” ليست مجرد كلمات عابرة، بل هي انعكاس لخطاب يحاول تشويه صورة التدين. الحقيقة أن المجتمع لم يتسلفن بالمعنى السلبي، بل عاد إلى الالتزام بأبسط تعاليم الإسلام.

الصلاة في وقتها والحجاب قيم راسخة، وأي محاولة لربطها بالتشدد أو الإرهاب هي تضليل متعمد. إن الحفاظ على التدين ليس تهديدًا، بل ضمانة لاستقرار المجتمع وهويته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى