أخبار مصر

النهر الصناعي الجديد في الصحراء الغربية: رؤية مصر لأمن مائي وتنمية شاملة

مصر تبدأ في إنشاء أكبر نهر صناعي بالعالم في الصحراء الغربية

لطالما كان نهر النيل شريان الحياة لمصر، فهو المصدر الرئيسي للمياه الذي قامت عليه الحضارة المصرية العريقة. وفي ظل التحديات المائية العالمية والزيادة السكانية، تسعى مصر جاهدة لتعزيز أمنها المائي وتوسيع رقعتها الزراعية والعمرانية بعيدًا عن الوادي الضيق.

في هذا السياق، يبرز مشروع النهر الصناعي الجديد في الصحراء الغربية كفكرة استراتيجية طموحة، تستهدف ربط أكبر منخفضين في مصر، وهما منخفضا توشكى والقطارة، لتحويلهما إلى خزانات مائية عظيمة تؤمّن مستقبل مصر المائي وتدفع بعجلة التنمية قدمًا.

هذا المقترح، الذي يجد زخمًا في الفترة الحالية، يعد بتحويل الصحراء الغربية الشاسعة إلى قلب نابض للزراعة والصناعة والسياحة، وهو ما سنستعرض تفاصيله ومزاياه الحيوية.


فائض المياه الحالي: فرصة ذهبية لمصر

تشهد مصر في السنوات الأخيرة ظاهرة إيجابية تتمثل في وجود فائض مائي ملحوظ، مما أدى إلى زيادة مخزون نهر النيل في بحيرة ناصر ووصول منسوب المياه إلى مستويات الامتلاء الكامل عند 180 مترًا.

لم يقتصر الأمر على بحيرة ناصر فحسب، بل امتلأت أيضًا البحيرات الرئيسية الثلاث في منخفض توشكى، بالإضافة إلى البحيرات الفرعية.

هذا الفائض المائي، الذي يعود لأسباب طبيعية وتغيرات مناخية، يمثل فرصة تاريخية لا يجب إهدارها. فبدلاً من ترك هذه المياه تتبخر أو تُهدر، جاءت فكرة المشروع العظيم لاستغلال هذا الفائض وتحويل منخفض توشكى ونقاط التخزين المائية فيه إلى نقطة انطلاق لنهر صناعي جديد.

  • هذا النهر سيكون موازيًا لنهر النيل.
  • ينطلق من الجنوب، تحديدًا من منطقة في توشكى.
  • يتجه شمالاً لينتهي في منخفض القطارة.

تخيل معي حجم وعظمة هذا الربط: منخفض توشكى العظيم ببحيراته الشاسعة سيرتبط بمنخفض القطارة الذي يمكن تحويله إلى أكبر بحيرة مياه عذبة طبيعية في العالم، وذلك بعد تهيئته وتطهيره من الأملاح.

هذه الرؤية الاستراتيجية تهدف إلى تحقيق أقصى استفادة من الموارد المائية المتاحة، وتوسيع الرقعة المأهولة والمنتجة في مصر بشكل غير مسبوق.


مشروع النهر الصناعي: ربط توشكى بالقطارة

النهر الصناعي الجديد في الصحراء الغربية، أكبر نهر صناعي بالعالم
النهر الصناعي الجديد في الصحراء الغربية – أكبر نهر صناعي بالعالم

المشروع المقترح يرتكز على فكرة بسيطة ولكنها ذات أبعاد استراتيجية عميقة: استغلال فائض المياه المتوفر في بحيرة ناصر ومنخفض توشكى لتوجيهه شمالاً نحو منخفض القطارة.

لماذا ليس فرع رشيد؟

البعض قد يقترح ربط منخفض القطارة بفرع رشيد، وهي فكرة طُرحت سابقًا، لكنها أصبحت مستبعدة وغير مطروحة حاليًا لأسباب وجيهة:

  • يتم حاليًا استغلال فرع رشيد بالفعل في مشروع آخر موازٍ ومهم للغاية، وهو مشروع النهر الصناعي ضمن “الدلتا الجديدة”.
  • يعتمد هذا المشروع على معالجة مياه الصرف الزراعي والترع لتوفير 7.6 مليون متر مكعب من المياه يوميًا.
  • يساهم في زراعة مساحات شاسعة في غرب الدلتا.

بالتالي، بعد أن تم تخصيص هذا المورد الحيوي لمشروع تنموي آخر في الشمال، يصبح التفكير في استغلال “الكنز الجنوبي” المتوفر في بحيرة ناصر، وإنشاء نهر جديد ينطلق من الجنوب وينتهي في منخفض القطارة، هو الخيار الأكثر منطقية واستدامة.

هذا النهر سيخلق بحيرة ثانية عظيمة، تكون خزانًا مائيًا ثانيًا لمصر بجانب بحيرة ناصر، قادرًا على تأمين احتياجات مصر المائية لمئة عام قادمة.


مزايا المشروع: لماذا هذا الخيار هو الأفضل؟

تفوق فكرة ربط منخفض توشكى بمنخفض القطارة على البدائل الأخرى من عدة جوانب حيوية:

1. تكلفة أقل وانحدار طبيعي

  • تكلفة ربط منخفض توشكى بمنخفض القطارة أقل وأوفر بكثير.
  • انحدار المياه سيكون طبيعيًا من الجنوب إلى الشمال، أي من الأعلى إلى الأسفل، مثل نهر النيل.
  • هذا يعني أن النهر الصناعي الجنوبي لن يحتاج إلى محطات رفع عملاقة ومكلفة.

2. مياه نظيفة جاهزة للزراعة

  • سيتم سحب مياه النيل النظيفة مباشرةً من بحيرة ناصر وتوشكى دون أي تلوث.
  • هذه المياه ستكون جاهزة للاستخدام الزراعي فورًا.
  • يختلف ذلك عن مياه صرف الأراضي الزراعية في مشروع الدلتا الجديدة، التي تتطلب محطات معالجة عملاقة مثل محطة الحمام.

3. تبسيط التنفيذ

  • كل ما يتطلبه هذا المشروع هو شق مجرى نهر جديد من الجنوب إلى الشمال.
  • لا حاجة لمحطات رفع معقدة أو محطات معالجة مياه مكلفة.
  • تخيل الربط بين أكبر خزانات المياه في مصر والعالم:
    • منخفض توشكى، بمساحة 13,000 كيلومتر مربع.
    • منخفض القطارة، بمساحة 20,000 كيلومتر مربع.

بعد تطهير القطارة من الأملاح وتجهيزه لاستقبال مياه النيل العذبة، سيُستخدم المشروع في زراعة الصحراء الغربية بالكامل، مضيفًا ملايين الأفدنة الزراعية الجديدة.


رؤية مستقبلية: الصحراء الغربية قاطرة تنمية

إذا تم تنفيذ مشروع النهر الصناعي الجديد، فإنه سيكون كفيلاً بتحويل مصر إلى دولة كبرى. فبدلاً من حصر المصريين على مساحة محدودة لا تتخطى 6% من مساحة مصر الإجمالية، سيخلق هذا المشروع مجتمعات جديدة:

  • مجتمعات زراعية.
  • مجتمعات صناعية.
  • مجتمعات عمرانية.
  • مجتمعات سياحية.

هذه المجتمعات ستغير خريطة مصر بالكامل، وستوفر فرص عمل هائلة، وتزيد من الناتج القومي، وتدعم الاكتفاء الذاتي في العديد من القطاعات.

إن استغلال الصحراء الغربية بكل هذه الإمكانيات يعني فتح آفاق جديدة للنمو والازدهار، وتوزيع السكان والثروات بشكل أكثر توازنًا، وتحقيق قفزة نوعية في مسيرة التنمية الشاملة للبلاد.


مصر وحقوقها المائية: حقيقة لا تقبل المساومة

مع كل هذه المشاريع التنموية الضخمة، سواء لاستغلال مياه النيل شمالاً (في الدلتا الجديدة) أو جنوبًا (في توشكى والقطارة)، قد يتبادر إلى الأذهان سؤال حول مدى استعداد مصر للتخلي عن جزء من حصتها التاريخية في مياه النيل بسبب سد النهضة الإثيوبي الذي تسبب بخلافات كبيرة بين مصر وإثيوبيا.

الإجابة القاطعة:

  • هذه المشاريع ليست بدائل عن نهر النيل، بل مكملة له.
  • تعتمد أساسًا على مياه النيل نفسها.
  • تهدف إلى ترشيد الاستخدام، وإعادة التدوير، والتوسع الأفقي.
  • لا تعني مطلقًا التنازل عن أي حق مائي تاريخي لمصر.

كلمة الرئيس السيسي: لا تنازل عن الحياة

لقد أوضح الرئيس عبد الفتاح السيسي موقف مصر الثابت والواضح بشأن هذه القضية الحساسة. ففي تصريحاته، أكد أن مصر لا ترفض تنمية شركائها في دول حوض النيل، بل على العكس.

أهم ما قاله الرئيس السيسي:

  • المشكلة تكمن فقط في ضرورة ألا تؤثر التنمية سلبًا على حصة مصر من المياه.
  • حجم المياه التي تنزل على حوض النيل يقدر بـ 1600 مليار متر مكعب سنويًا.
  • ما يصل فعليًا إلى النيلين الأبيض والأزرق لا يتجاوز 85 مليار متر مكعب فقط (حوالي 4%).

شدد الرئيس السيسي على أن طلب مصر بوصول هذه المياه إليها ليس رفضًا للتنمية في دول الحوض أو استفادتهم من المياه، بل هو تأكيد على حقها في الحياة.

مصر لا تملك مصدرًا آخر للمياه سوى النيل، فهي بلا أمطار غزيرة أو مصادر جوفية كافية. وبالتالي، فإن أي انتقاص من حصتها التاريخية يعني التخلي عن الحياة نفسها.

وأكد أن الموقف المصري كان ولا يزال يدور حول التعاون والتفاوض للوصول إلى توافق يضمن استفادة الجميع، على غرار تجارب دول أخرى في قضايا مائية مماثلة. حديث السيسي كان مصدر اهتمام الكثير من الأشخاص خارج مصر الذين يحرصون دائمًا على متابعة أخبار مصر الجديدة.

الرسالة واضحة:

  • “نحن وهم، نحن جميعًا”.
  • “نعيش جميعًا وننمو جميعًا ونتعاون جميعًا من أجل ازدهار واستقرار بلادنا”.

النهر الصناعي الجديد في الصحراء الغربية: الخاتمة

إن مشروع النهر الصناعي الجديد في الصحراء الغربية، إلى جانب كافة المشاريع التنموية الأخرى التي تشهدها مصر، يمثل قفزة نوعية نحو تحقيق الأمن المائي والغذائي، وتعزيز التنمية الشاملة والمستدامة.

هذه المشاريع ليست بديلة عن نهر النيل، بل هي استثمار ذكي لموارده المائية، وخطوات جريئة نحو توسيع الرقعة العمرانية والزراعية بعيدًا عن الكثافة السكانية في الوادي والدلتا.

ومع إصرار القيادة المصرية على حماية حقوقها المائية التاريخية كخط أحمر لا يمكن تجاوزه، تتجه مصر بخطى ثابتة نحو مستقبل مزدهر، مستفيدة من كل قطرة ماء لبناء “حديقتها” العظيمة على أرضها الشاسعة.

هذا المشروع، إذا ما تم تنفيذه، سيترك بصمة عميقة في تاريخ مصر الحديث، محولاً الصحراء إلى واحة خضراء ومركزًا للإنتاج والحياة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى