أخبار مصر

تحديات تحقيق العدالة في قضايا الأخطاء الطبية: صراع الحق والحقيقة

في عالم يتطور فيه الطب وتتعقد فيه الإجراءات، تبرز قضايا الأخطاء الطبية كواحدة من أكثر النزاعات حساسية وتعقيدًا. إنها لا تتعلق فقط بتحديد المسؤولية القانونية، بل تمس جوهر الثقة بين المريض والمؤسسة الطبية، وتضع النظام القضائي أمام تحدٍ كبير في كشف الحقائق وإرساء مبادئ العدل.

لكن ماذا يحدث عندما يصبح البحث عن العدالة في قضية خطأ طبي جسيم معركة شاقة، محفوفة بالضغوط والعراقيل التي تهدد مسار التحقيق بالكامل؟ هذا هو التساؤل الجوهري الذي تثيره قضية وفاة السيدة الفاضلة حرم فضيلة الشيخ عبد الله رشدي، والتي أصبحت رمزًا لصراع مرير من أجل الحقيقة في مواجهة ما يبدو أنه محاولات ممنهجة لتعطيل العدالة.

يهدف هذا المقال إلى الغوص في تفاصيل هذه التحديات، مسلطًا الضوء على:

  • الإجراءات القانونية المعقدة.
  • الضغوط التي تواجهها ساحات القضاء.
  • دور الدفاع في التمسك بالحقوق حتى النهاية.

القضية المحورية: مأساة الأخطاء الطبية الجسيمة

تبدأ حكايتنا بقضية مؤلمة تتعلق بحدوث أخطاء طبية جسيمة أدت إلى وفاة مواطنة مصرية داخل إحدى المستشفيات الكبرى. لم يكن الأمر مجرد خطأ عابر، بل كان سلسلة من الإهمال الذي أودى بحياة إنسانة سلمت نفسها لطاقم طبي ومؤسسة كان من المفترض أن توفر لها الرعاية الآمنة.

هذه القضية، التي بدأت في الظل، سرعان ما تحولت إلى قضية رأي عام مع دخول الدفاع في الصورة، ليكشف عن حجم التعقيدات والضغوط التي تحيط بها.

الدفاع، الذي تولى مهمة تمثيل ورثة الفقيدة، وجد نفسه أمام حائط من الضغوط التي تهدف إلى تعطيل سير الدعوى أو حرف مسارها عن الهدف الأساسي: كشف الحقيقة وتحديد المسؤول عن الكارثة الطبية.

هذا الكشف المبكر عن وجود “هواجس مشروعة” بأن التحقيق لا يتم بالشكل الذي يؤدي إلى كشف وجه الحقيقة، كان إشارة مبكرة إلى أن الطريق نحو العدالة سيكون محفوفًا بالمخاطر.


دوائر التعطيل: كيف تُعرقل مسارات العدالة؟

قضايا الأخطاء الطبية
قضايا الأخطاء الطبية

عدم تنفيذ قرارات المحكمة

تجلت أولى صور التعطيل في عدم تنفيذ قرارات المحكمة. ففي محكمة سابقة، أصدرت هيئة قضائية مغايرة قرارًا باستدعاء الطاقم الطبي المسؤول:

  • مدير التخدير.
  • مدير الرعاية.
  • مدير المستشفى.
  • منسقو غرفة العمليات.

كان الهدف من هذا الاستدعاء هو مناقشتهم واستجلاء الحقائق منهم. لكن هذا الإجراء، الذي يعد ركيزة أساسية لأي تحقيق نزيه، قوبل بالتجاهل المتكرر.

تنحي القاضي وزيادة التعقيد

لم يحضر المعنيون، وتأجلت الجلسات مرارًا وتكرارًا. هذا الرفض الصريح للامتثال لقرارات المحكمة ليس مجرد تأجيل روتيني، بل هو مؤشر على وجود قوى تحاول التلاعب بمسار العدالة.

الأدهى من ذلك، هو شعور القاضي المحترم بالحرج وتنحيه عن نظر القضية، مما أدى إلى تحويل الملف إلى هيئة قضائية أخرى. هذا التنحي، وإن كان إجراءً قانونيًا، إلا أنه في سياق هذه القضية، زاد من تعقيد المشهد وفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التحديات.


المحكمة بين الشكوك والضغوط: البحث عن الحقيقة الضائعة

مع تولي هيئة قضائية جديدة للقضية، ازدادت الشكوك حول مدى إمكانية الوصول إلى الحقيقة.

القاضي الجديد، وعلى عكس الهيئة السابقة، عدل عن قرار استدعاء الطاقم الطبي المسؤول. هذا الرفض لتنفيذ طلبات الدفاع باستدعاء الأشخاص الذين كانوا موجودين وقت الكارثة، أثار تساؤلات جدية:

  • لمصلحة من يتم هذا التعطيل؟
  • لماذا يتم رفض طلب أساسي مثل هذا؟
  • كيف يمكن الوصول إلى الحقيقة بدون الاستماع إلى المسؤولين المباشرين؟

الدفاع، الذي يمثل صوت الحق والعدالة، كان وما زال يصرخ مطالبًا بمعرفة من هو المسؤول عن هذه الكوارث الطبية.

في بلد يُفترض أن يكون بلد قانون ومؤسسات، يصبح رفض طلبات جوهرية كهذه مثيرًا للقلق ودافعًا للبحث عن دوافع خفية قد تكون أقوى من مصلحة العدالة نفسها.

“قد يهمك: أورفوجليبرون لعلاج السكر من النوع الثاني


مطالب الدفاع المشروعة: صراع من أجل كشف المسؤولية

في مواجهة هذه الضغوط، لم ييأس الدفاع. لقد استنفذ كل السبل القانونية المتاحة أمام المحكمة، محاولاً رفع صوته عاليًا لإيصال رسالته إلى كل الجهات المسؤولة في الدولة:

  • السلطة القضائية.
  • النيابة العامة.
  • وزارة الصحة.

إن الهدف الأسمى للدفاع هو أن تظهر الحقيقة فقط، وأن تأخذ العدالة مجراها الطبيعي، وألا تُضَيَّع حقوق المجني عليها وأسرتها.

فمن غير المعقول أن يظل الجناة الحقيقيون طلقاء، يواصلون “العبث” وارتكاب كوارث أخرى دون محاسبة.

ورغم أن الدفاع يطرح طلبات جوهرية تتعلق بالأدلة الأساسية في الدعوى من منصة القضاء، إلا أن هذه الطلبات لم تُحَقَّق. هذا التجاهل المستمر للطلبات القانونية للدفاع يثير علامات استفهام كبيرة حول:

  • مدى استقلالية القرار القضائي.
  • وجود تأثيرات خارجية تحاول عرقلة سير العدالة.

مصر بلد القانون؟ صرخة في وجه الفساد

الوضع الراهن في هذه القضية يطرح تساؤلات حول مبادئ العدالة والحوكمة في مصر. الدفاع، وهو صوت القانون، يؤكد أن “الفساد ليس أقوى منا”، وأن الأكيد أن هناك مسؤولين في كل الدوائر يخافون الله.

هذه الصرخة ليست مجرد شكوى فردية، بل هي نداء للمسؤولين في:

  • السلطة القضائية.
  • النيابة العامة.
  • وزارة الصحة.

لكي يتدخلوا ويضمنوا أن الحقيقة وحدها هي التي ستظهر، وأن العدالة ستأخذ مجراها. إن الثقة في النظام القضائي تتأثر بشدة عندما يشعر المواطن بأن هناك “خيارات وفقوس” في تطبيق القانون، وأن هناك ضغوطًا خارجية تمنع كشف الحقيقة.

“اطلع على: علاج مرض السكري بالخلايا الجذعية


آلية “رد القاضي”: حق قانوني في مهب الريح؟

في خضم هذا الصراع، لجأ الدفاع إلى آلية قانونية حاسمة: طلب “رد القاضي”. هذا الحق مكفول دستوريًا وفي قانون الإجراءات الجنائية وقانون المرافعات، ويسمح بوقف سير الدعوى وإحالة الملف إلى محكمة الاستئناف للنظر في طلب الرد إذا تم إبداؤه لأول مرة.

القاعدة القانونية واضحة:

  • إذا قُدِّم طلب الرد، فليس للقاضي إلا أن يوقف السير في الدعوى “وقفًا وجوبيًا” حتى تبت محكمة الاستئناف في طلبه.

تجاوز صادم للقانون

لكن المثير للصدمة، وهو ما يصفه محامي الدفاع بأنه لم يره في حياته المهنية الممتدة لخمسة وأربعين عامًا في أرقى المحاكم الدولية والمحلية، هو استمرار القاضي في نظر القضية رغم تقديم طلب الرد.

فالدفاع “يصرخ” ويؤكد أن القاضي “مردود”، وأنه لا يجوز له مباشرة أي إجراء في القضية، ومع ذلك تستمر المحكمة في عملها، وتؤجل لجلسات مستقبلية.

هذا التحدي الصارخ لمبدأ قانوني أساسي أثار استغراب حتى قضاة محكمة الرد الاستئنافية أنفسهم، الذين طلبوا دليلاً على استمرار المحكمة في عملها رغم الرد.

وبالفعل، استطاع الدفاع، رغم الصعوبة البالغة، أن يقدم شهادة رسمية من محكمة القاهرة الجديدة تثبت أن:

  • طلب الرد قد أُبدي.
  • المحكمة مستمرة في نظر الدعوى وتأجيلها.
  • المحكمة تعتزم تحليف لجنة الطب الشرعي اليمين.

استمرار التعطيل: سؤال ملح عن مصلحة من؟

الأغرب من ذلك، أن محكمة الرد الاستئنافية، بعد حصولها على الدليل القاطع، قامت بتأجيل الجلسة مرة أخرى للاستجواب في تاريخ لاحق (27/9).

هذا التأجيل، على الرغم من معرفة المحكمة بوجود إجراء محدد ومسبق في محكمة الجنح بتاريخ 9/9 (وهو حلف اليمين للجنة الطب الشرعي)، يثير تساؤلات خطيرة:

  • ما الهدف من هذا الاستمرار في التعطيل؟
  • هل هناك من يسعى لإضاعة الوقت؟
  • هل تتم هذه الإجراءات لإتاحة المجال لإتمام خطوات معينة قد تؤثر على مسار القضية؟

إن استمرار المحكمة الأصلية في إجراءاتها، وتأجيل محكمة الرد الاستئنافية، يشكل تناقضًا قانونيًا صارخًا، ويثير الشكوك حول مصلحة من تتم كل هذه الضغوط ومجافاة القانون.


وفاة زوجة الشيخ عبد الله رشدي: صراع لن يتوقف من أجل العدل

في النهاية، قضية وفاة حرم الشيخ عبد الله رشدي ليست مجرد قضية فردية تتعلق بخطأ طبي، بل هي مرآة تعكس صراعًا أوسع نطاقًا بين الحق والباطل، بين العدالة ومحاولات عرقلتها.

إن الدفاع، وهو صوت القانون، يعلن عن نية الكشف عن مقاطع داخل غرفة العمليات لا يمكن لأحد أن يتخيلها، مما يؤكد على حجم الكوارث التي وقعت، وعلى الإصرار على كشف الحقيقة كاملة.

هذه القضية اختبار حقيقي لسيادة القانون واستقلالية القضاء في مصر. إنها صرخة مدوية في وجه كل من يحاول التلاعب بالعدالة أو حرف مسارها.

فالعدل أساس الملك، ولن يستقر بناء المجتمع إلا بوجود نظام قضائي قادر على حماية حقوق المواطنين وكشف الحقيقة، مهما كانت الضغوط، ومهما كانت الأيادي التي تحاول العبث بالمسار الطبيعي للقانون. وعلى الباغي تدور الدوائر، فالعدالة قد تتأخر، لكنها لن تموت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى