الانترنت غير المحدود في مصر: حقيقة أم مجرد وعود تحت الدراسة؟

الانترنت اليوم لم يعد مجرد وسيلة للترفيه أو تصفح المواقع، بل أصبح أساسًا للاقتصاد الرقمي، والتعليم، والعمل عن بُعد، وحتى الخدمات الحكومية. في حين أن العديد من دول العالم وفرت خدمة الانترنت غير المحدود لمواطنيها منذ سنوات طويلة، ما زال المصريون يتساءلون: هل سنحصل يومًا ما على خدمة الانترنت غير المحدود في مصر؟
قائمة المحتويات
ورغم أن شركات الاتصالات في مصر تخرج كل فترة بتصريحات تؤكد أن الموضوع “تحت الدراسة”، فإن الضغط الشعبي والحملات الرقمية بدأ يخلق حالة وعي عامة دفعت الشركات والمسؤولين للتعليق رسميًا. لكن يبقى السؤال الأهم: هل هذه مجرد وعود جديدة لتهدئة الناس، أم أننا على أعتاب خطوة حقيقية؟
الانترنت غير المحدود في مصر: تصريحات متكررة تحت الدراسة
منذ سنوات طويلة، اعتادت شركات الاتصالات الرد على طلبات العملاء بخصوص الانترنت غير المحدود بجملة واحدة: “الموضوع تحت الدراسة”. هذه العبارة أصبحت أشبه بالنكتة المتكررة بين مستخدمي الإنترنت، حيث لا يرى المواطن أي تطور فعلي رغم الوعود المستمرة.
الأغرب أن نفس هذه الشركات توفر بالفعل خدمة الانترنت غير المحدود للمستثمرين، الشركات الكبرى، والسياح القادمين إلى مصر، بينما المواطن العادي لا يحصل إلا على باقات محدودة بأسعار مرتفعة لا تتناسب مع متوسط الدخل.
المفارقة: مصر تستضيف قمة الذكاء الاصطناعي والإنترنت محدود
في الوقت الذي أعلنت فيه مصر رسميًا استضافة النسخة الأولى من قمة ومعرض عالم الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط وأفريقيا، يتساءل كثيرون: كيف يمكن لبلد ما زال الإنترنت فيه محدود أن يروج لنفسه كمركز إقليمي للتكنولوجيا والتحول الرقمي؟
فالمستثمرون العالميون الذين سيحضرون المؤتمر يبحثون في المقام الأول عن بيئة رقمية قوية، وسرعات إنترنت مستقرة، واتصال مفتوح بدون قيود. لكن عندما يكتشفون أن المواطن المصري لا يزال يعتمد على باقات تنفد قبل منتصف الشهر، فما الرسالة التي تصلهم عن سوق التكنولوجيا المحلي؟
الانترنت غير المحدود موجود بالفعل… لكن ليس للمواطن

الحقيقة الصادمة التي كشفتها الحملة الشعبية أن الانترنت غير المحدود موجود رسميًا في مصر منذ سنوات، لكنه موجه للشركات والمستثمرين والسياح فقط.
فعلى سبيل المثال، توفر شركات الاتصالات ما يسمى بـ “الخطوط المخصصة”، وهي باقات تمنح الشركات سرعات ثابتة وجودة مضمونة طوال الشهر، دون أي حدود استهلاك. أما المواطن، فدائمًا ما يتلقى الرد: “البنية التحتية لا تتحمل”.
لكن إذا كانت البنية التحتية تتحمل الشركات والبنوك والجهات الحكومية، فما المانع من تقديم الخدمة نفسها للشعب؟
السياح في مصر يتمتعون بانترنت غير محدود
جانب آخر يكشف التناقض الكبير، هو أن شركات أجنبية مثل “Airalo” و”SimOptions” توفر شرائح دولية تمنح السياح في مصر خدمة انترنت غير محدود بأسعار مناسبة. وهذا يعني أن السائح الذي يسير بجوارك في نفس الشارع يمكنه استخدام الانترنت بحرية، بينما أنت كمواطن تدفع مبالغ إضافية لتجديد باقة محدودة.
هل المشكلة تقنية أم تجارية؟
شركات الاتصالات تدّعي دائمًا أن البنية التحتية في مصر لا تسمح بتقديم خدمة الانترنت غير المحدود للمواطنين. لكن الواقع والتقارير الرسمية تثبت عكس ذلك، حيث أن الحكومة استثمرت منذ عام 2018 أكثر من 3.5 مليار دولار في تطوير الشبكات ورفع كفاءة الكابلات البحرية والمحلية.
إذن المشكلة ليست في الإمكانيات، بل في السياسات الربحية، حيث أن نظام الباقات الحالية يدر مليارات الجنيهات سنويًا للشركات. على سبيل المثال، شركة “وي” أعلنت تحقيق أرباح قياسية تجاوزت 14.3 مليار جنيه في 2024، بزيادة 22% عن العام السابق، وهو ما يرجع بالأساس لزيادة أسعار الباقات.
الحملات الشعبية وضغط المستخدمين
منذ عام 2020، أطلق ناشطون على مواقع التواصل عدة حملات تطالب بإنترنت غير محدود في مصر. ورغم محاولات الشركات تجاهل الأمر، إلا أن قوة الضغط الشعبي جعلت الصحف والمواقع الكبرى تتناول القضية بشكل واسع.
المميز في الحملة الأخيرة أنها منظمة بشكل رسمي، إذ تم إطلاق موقع إلكتروني وتطبيق للهاتف يضم تفاصيل المطالب، خطوات المشاركة، ونماذج للتوقيع على العريضة الرسمية. كما أن العديد من المشاهير والسياسيين بدأوا في دعم هذه الحملات علنًا.
رد الشركات على الحملات
رغم أن الردود جاءت في البداية إنكارية أو بعبارة “الخدمة تحت الدراسة”، إلا أن مجرد تعليق الشركات على الأمر يُعد مؤشرًا على أن الضغط الشعبي بدأ يؤتي ثماره. ففي عالم الأعمال، الشركات الكبرى لا ترد إلا على القضايا التي تمثل تهديدًا حقيقيًا لمصالحها.
الأغرب أن بعض مسؤولي الشركات وصفوا الأسعار الحالية بـ”العادلة”، في حين أن تقارير دولية تؤكد أن أسعار الانترنت في مصر من بين الأعلى عالميًا مقارنة بمتوسط الدخل.
أثر الانترنت غير المحدود على الاقتصاد الرقمي
التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يتحققا بدون انترنت سريع وغير محدود. فالذكاء الاصطناعي يعتمد على نقل ومعالجة كميات هائلة من البيانات في وقت قصير.
إذا أرادت مصر بالفعل أن تكون مركزًا تكنولوجيًا في المنطقة، فعليها أن توفر للمواطنين نفس البيئة الرقمية التي توفرها للشركات والمستثمرين. فاقتصاد المستقبل يقوم على مشاركة الجميع، وليس على تمييز بين “مواطن عادي” و”مستثمر أجنبي”.
“تعرف على: درع السماء المصري“
هل نرى انترنت غير محدود في مصر قريبًا؟
الإجابة حتى الآن غير مؤكدة. لكن المؤشرات تقول إن الضغط الشعبي المتزايد، إلى جانب حاجة الدولة لإثبات جدارتها أمام العالم مع استضافة الأحداث العالمية، قد يدفع في النهاية إلى توفير الانترنت غير المحدود بشكل تدريجي.
لكن الأمر يتوقف على مدى استمرار الحملة الشعبية وعدم توقفها أمام الردود التقليدية، لأن الشركات لن تتنازل بسهولة عن أرباحها الضخمة.
“قد يهمك: الكشف الطبي العسكري المصري“
الانترنت غير المحدود في مصر: الخاتمة
قضية الانترنت غير المحدود في مصر ليست رفاهية، بل مطلب أساسي لتحقيق العدالة الرقمية، وتحفيز الاستثمار، ودعم الاقتصاد الرقمي. المفارقة أن مصر تستعد لاحتضان مؤتمرات عالمية في الذكاء الاصطناعي، بينما مواطنها العادي ما زال يلاحق “باقة الـ 20 جنيه” قبل أن تنفد.
المطلوب اليوم ليس وعودًا جديدة تحت الدراسة، بل خطوات عملية واضحة. فحق المواطن المصري في انترنت مفتوح وعادل لا يقل أهمية عن حقه في التعليم أو الصحة. وما لم يتحقق ذلك، ستظل الفجوة الرقمية قائمة بين ما يُعلن في المؤتمرات الدولية وما يعيشه الناس على أرض الواقع.