أوجاعك بسبب أحزانك: هل يخبرك جسدك بما تخفيه روحك؟

هل تساءلت يوماً لماذا تشعر بآلام مزمنة في جسدك رغم أن كل الفحوصات الطبية تؤكد أنك سليم؟ لماذا يلازمك الصداع، أو تتكرر مشاكل القولون، أو يطاردك ألم الظهر حتى وأنت شاب في مقتبل العمر؟
قائمة المحتويات
الحقيقة أن كثيراً من هذه الأوجاع ليست نتيجة مرض جسدي، بل قد تكون انعكاساً مباشرًا لمشاعرك المكبوتة وأحزانك الداخلية. وهذا ما توضحه قصة الكاتبة نيكول ساكس وتجربتها الملهمة في مواجهة الألم المزمن، حيث اكتشفت أن سر أوجاعها لم يكن مرضاً عضويًا بل أحمالاً نفسية لم تجد طريقها للتعبير.
في هذا المقال، سنأخذك في رحلة لفهم كيف تكون أوجاعك بسبب أحزانك، وما هو التفسير العلمي لهذه الظاهرة، وكيف يمكنك كسر دائرة الألم المزمن من خلال طرق عملية مثل “التدوين العلاجي”.
القصة الملهمة لنيكول ساكس: من الألم إلى الحرية
تبدأ القصة عندما كانت نيكول في التاسعة عشرة من عمرها. ذهبت إلى الطبيب تشكو من آلام شائعة في الظهر، لكن التشخيص كان صادماً: “حياتك ستتغير بالكامل، ستحتاجين لكرسي متحرك، ولن تستطيعي الإنجاب أو السفر بحرية”.
تخيل وقع هذه الكلمات على فتاة في مقتبل شبابها. لكن بدلاً من الاستسلام، قررت نيكول أن تبحث عن معنى آخر لأوجاعها. واليوم، وهي في الثانية والخمسين من عمرها، تعيش حياة مليئة بالحيوية، تمارس الرياضة، تجري يومياً، وتسافر، وتربي أطفالها الثلاثة بصحة أفضل من كثير من الشباب.
القصة هنا تلهمنا أن الألم ليس دائماً قدراً محتوماً، بل رسالة تحتاج إلى من يفهمها. وربما أنت أيضاً تشعر أن أوجاعك بسبب أحزانك التي لم تجد طريقة للتعبير عنها.
لماذا تشعر بآلام مزمنة بلا سبب طبي؟
كم مرة شعرت بألم مزمن لا يزول رغم الأدوية والتحاليل؟ كم ليلة سلبك الصداع النوم قبل امتحان مهم؟ كم مرة أزعجك القولون العصبي حتى مع الحمية والدواء؟
هنا يبرز السؤال: إذا لم يكن هناك سبب عضوي، فلماذا نعاني من هذه الأوجاع؟
الجواب تجده في ما يُعرف بـ متلازمة التوتر العضلي العصبي (TMS) التي طرحها الطبيب جون سارنو، والتي توضح أن الجسم أحياناً يخلق الألم الجسدي ليصرف انتباهك عن ألم نفسي أو ضغوط داخلية لم تواجهها بعد.

“اطلع على: التدرج في العبادات والطاعات“
الخزان العاطفي: كيف تتراكم مشاعرك لتتحول إلى أوجاع؟
شرحت نيكول ساكس النظرية بطريقة مبسطة من خلال ما سمته الخزان العاطفي.
- تخيل أن داخلك خزاناً شفافاً.
- كل يوم يُملأ بجزء من مشاعرك السلبية: توتر العمل، خلافات عائلية، ذكريات طفولة مؤلمة.
- عندما يمتلئ الخزان، يبدأ العقل في إطلاق الإنذار عبر الألم الجسدي: صداع، قولون، آلام ظهر، أو حتى اضطرابات هضم.
الجسم هنا لا يخدعك، بل يحاول حمايتك من مواجهة مشاعرك المؤلمة. لكنه في الحقيقة يدخلك في دائرة من الألم المستمر، حيث تركز على الجسد وتنسى معالجة الجذور النفسية.
التفسير العلمي: دور اللوزة الدماغية في الألم النفسي
من الناحية العلمية، يرتبط هذا كله بجزء بدائي من الدماغ يسمى اللوزة الدماغية (Amygdala)، وهو المسؤول عن رصد الخطر منذ عصور الإنسان الأولى.
- أجدادنا كانوا يواجهون أخطاراً حقيقية مثل الحيوانات المفترسة.
- أما نحن، فـ”المخاطر” أصبحت رسائل بريد إلكتروني، مشاكل مالية، أو ذكريات مؤلمة.
لكن اللوزة الدماغية لا تفرق كثيراً، فتتعامل مع هذه المواقف وكأنها خطر يهدد الحياة. وهكذا يدخل الجسم في حالة طوارئ مستمرة، مما يخلق دائرة الألم المزمن.
دورة الألم المزمن: خمس مراحل تؤكد أن أوجاعك بسبب أحزانك
لتبسيط الصورة، وصفت نيكول أن دورة الألم تمر بخمس مراحل أساسية:
- المفترس العصبي: عندما يستقبل العقل المواقف الضاغطة كتهديد.
- كبت المشاعر: حيث يتم تجاهل هذه الأحاسيس وتخزينها في الخزان العاطفي.
- التفاعلات الجسدية: إفراز الكورتيزول، توتر العضلات، وقلة تدفق الدم.
- التمثيل الجسدي: ظهور الأعراض مثل الصداع أو القولون أو آلام الظهر.
- الألم المزمن: استمرار الأعراض لسنوات بلا سبب طبي واضح.
كيف تكسر دائرة الألم وتتحرر من مشاعرك؟
الحل لا يكمن فقط في الأدوية أو التحاليل، بل في مواجهة مشاعرك المكبوتة. وهنا يأتي دور التدوين العلاجي (Journal Speak) الذي طورته نيكول ساكس.
خطوات التدوين العلاجي
- خصص دفتر ورقي (وليس إلكتروني).
- قسّم الكتابة إلى ثلاث قوائم:
- الطفولة: ذكريات مؤلمة أو علاقات سببت جروحاً نفسية.
- الحياة اليومية: ضغوط العمل والعلاقات والمشاكل الحالية.
- الشخصية: صراعاتك الداخلية مثل السعي للكمال أو الخوف من الفشل.
- خصص 30 دقيقة يومياً:
- 20 دقيقة للكتابة الفوضوية بلا قيود أو أحكام.
- 10 دقائق للهدوء والتنفس لتهدئة الجهاز العصبي.
- بعد الكتابة، تخلّص من الأوراق (مزقها أو أحرقها).
بهذه الطريقة، تعطي لنفسك مساحة آمنة لمواجهة الحقيقة، وتبدأ بتفريغ الخزان العاطفي.
المقاومة: عقلك سيحاول منعك من الشفاء
عندما تبدأ رحلة التحرر من الألم، سيحاول عقلك مقاومتك بخمس طرق:
- الأعذار (“لا وقت لدي”).
- التعب المفاجئ.
- زيادة الأعراض مؤقتاً.
- البحث المفرط عن خبراء وأطباء.
- انتظار نتائج سريعة.
والحل هنا كلمة واحدة: القبول. تقبّل المقاومة كجزء من العملية، وواصل التدوين بلا توقف.
تحدي الـ 28 يوماً: تجربة عملية لكسر دائرة الألم
اقترحت نيكول تحدياً بسيطاً:
- في اليوم الأول، دوّن كل أعراضك الجسدية.
- التزم بالتدوين اليومي 28 يوماً.
- في اليوم الأخير، قارن بين ما كنت تشعر به وما وصلت إليه.
النتائج مذهلة، حيث أظهرت الدراسات أن 82% من حالات الألم المزمن تحسنت عند التركيز على العوامل النفسية.
لماذا أوجاعك بسبب أحزانك ليست ضعفاً بل رسالة قوة؟
الاعتراف بأن أوجاعك مرتبطة بأحزانك ليس دليلاً على ضعفك، بل العكس. جسدك يصرخ ليقول: “انظر إلى مشاعرك، لا تتجاهلها”.
- الألم قد يكون وسيلة لحمايتك من مواجهة صعبة.
- لكنك حين تواجه هذه المشاعر بصدق، يتحرر جسدك وروحك معاً.
“قد يهمك: دروس الحياة“
أوجاعك بسبب أحزانك: خاتمة
رحلة فهم أن أوجاعك بسبب أحزانك ليست سهلة، لكنها تستحق. قد يقاومك عقلك، وقد تخشى المواجهة، لكنك في النهاية ستكتشف أن التحرر من الألم يعني التحرر من مشاعرك المكبوتة. كما تقول نيكول ساكس: “الشفاء يبدأ حين نواجه الحقيقة، لا حين نهرب منها.”
ابدأ اليوم، احمل ورقة وقلم، واكتب ما يؤلمك. قد تكون هذه الخطوة البسيطة هي بداية الطريق إلى جسد حر من الأوجاع وروح خفيفة بلا أحزان.